كتب الاستاذ منير بن صالحة نصا نقديا حول الفتيات اللاتي يخترن الرقص من وراء الكاميرا و ينزلن مقاطع الفيديو على شبكات التواصل الاجتماعي و عنونه :” في مدارات العبث الرقمي جاء فيه
نحن في عام 2025، زمن الذكاء الاصطناعي، والانفجار الرقمي، وتسارع الصور، حيث أضحى الإنسان ــ في كثير من حالاته ــ ظلاً لذاته، ومشهداً لا يعيش إلا حين يُشاهَد.
غير أني، وبالرغم من كل محاولات التكيّف والانفتاح، ما زلت عاجزاً عن فهم تلك الحاجة الملحّة لدى البعض لأن يرقصوا وحدهم أمام كاميرا الهاتف، ثم ينشروا المشهد، منتشين بأعداد الإعجابات كمن يقيس كماله العقلي بكمّ القهقهات التي يثيرها.
أي وهن هذا الذي يجعل الإنسان يفتك من نفسه هيبته، ليحوّل كينونته إلى “محتوى”، وجسده إلى “عرض مجاني”، وعزلته إلى “مسرح عام”؟
هل صرنا نحتاج إلى مرآة افتراضية كل صباح لا لنتأمل ملامحنا، بل لنتأكد أننا ما زلنا نُلاحَظ؟
وهل أصبح الرقص أمام الكاميرا طقسًا وجوديًا يعوّض غياب الحب، والانتماء، والمعنى؟
أفلا يجدر بنا أن نتساءل:
هل نحن في حاجة إلى علاج، أم إلى عودة نحو البدايات؟
هل نحن مرضى بهذا الجنون الجماعي، أم أننا فقط وحيدون بطريقة جديدة؟
لقد قال “كيركيغارد” يوماً:
“أكثر الناس يهربون من الحرية، لأنهم لا يحتملون مسؤولية أن يكونوا أنفسهم.”
ولعلنا الآن، وسط هذا الهروب العام نحو التفاهة، أصبحنا نخاف أن نكون، فنختبئ في الصخب، ونختزل وجودنا في لحظة “ترند”.
(“أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا تُرجعون” \[المؤمنون: 115])