لماذا شكك النواب في شرعية رئيس محكمة المحاسبات؟

اثناء مناقشة ميزانية محكمة المحاسبات، شكك بعض النواب في شرعية الرئيس الأول لمحكمة المحاسبات السيد نجيب الكتاري متسائلين عن الجهة التي يمكنها مراقبة التصرف المالي داخل المحكمة.

كما اشار احد النواب الى ما يتم تداوله عبر شبكات التواصل الاجتماعي بخصوص الهبة القطرية التي تحصلت عليها المحكمة والشبهات التي تحوم حول التصرف داخلها. اما النائب عدنان الحاجي، فقد تطرق ايضا الى شرعية الرئيس الاول للمحكمة والهبة القطرية والمحاكمات الجارية في حق الشباب الذين شاركوا في اطار قوائم مستقلة في انتخابات 2014 والخطايا المشطة الموظفة عليهم دون احترام لاحكام الفصل 98 من القانون الانتخابي الذي نص بوضوح على ضرورة التنبيه على كل اعضاء القائمة المستقلة التي لم تودع محاسبتها في حين ان دائرة المحاسبات التي هي في وضعية تضارب مصالح اكتفت بالتنبيه على رئيس القائمة محملة بقية اعضاء القائمة مسؤولية دون اثبت ارتكابهم لخطا. في هذا الاطار، لا ننسى ان نشير الى ان تلك المحاكمات، التي يرى البعض انه لا تتوفر فيها ادنى شروط المحاكمة العادلة، مبنية على قانون انتخابي غير دستوري باعتبار ان مهام محكمة المحاسبات تم ضبطها بدقة بالفصل 117 من الدستور والذي لا يسمح لها الا بالقضاء في حسابات المحاسبين العمومية وزجر اخطاء التصرف. كما ان تلك المهام لا تشمل مراقبة الانتخابات ومعاينة المخالفات الانتخابية. هذه العيوب الجوهرية لم يتطرق اليها النواب بحكم عدم المامهم باحكام الفصل 117 من الدستور والقانون الانتخابي. بالنسبة للقضاء في حسابات المحاسبين العموميين، اشار احد النواب سابقا الى ان تلك المهمة لم تقم بها المحكمة وهو ما تسبب في اسقاط ديون عمومية تقدر على الاقل بالاف ملايين الدينارات. كما اشار الى سقوط عدد هام من جرائم الفساد الواردة بتقارير دائرة او محكمة المحاسبات نتيجة عدم رفع امرها لوكيل الجمهورية كما اقتضت ذلك احكام القانون عدد 8 لسنة 1968 المتعلق بدائرة المحاسبات والقانون عدد 41 لسنة 2019 المتعلق بمحكمة المحاسبات وهو ما تسبب ايضا في خسارة للخزينة العامة تقدر على الاقل بالاف ملايين الدينارات.

اما مسالة لا شرعية الرئيس الاول لمحكمة المحاسبات، فيعللها بعض النواب باحكام القانون عدد 41 لسنة 2019 المتعلق بمحكمة المحاسبات الذي نص بوضوح على ضرورة انتخاب الرئيس الاول للمحكمة لمدة اربع سنوات غير قابلة للتجديد ابتداء من غرة جانفي 2020. نشير بهذا الخصوص الى ان السيد نجيب الكتاري تمت تسميته رئيسا اول لدائرة المحاسبات من قبل الجلسة العامة للمجلس الاعلى للقضاء المنعقدة بتاريخ 22 ماي 2017. وباعتبار ان القانون عدد 41 لسنة 2019 المتعلق بمحكمة المحاسبات الغى ابتداء من غرة جانفي 2020 كل النصوص السابقة المتعلقة بدائرة المحاسبات، فان المجلس الاعلى للقضاء مطالب حسب احكام الفصل 106 من الدستور بترشيح رئيس اول لمحكمة المحاسبات تتم تسميته بامر من رئيس الجمهورية. ويبدو ان هذه المسالة الهامة لم تسترع الى حد الان انتباء رئيس الجمهورية والمجلس الاعلى للقضاء ومجلس القضاء المالي واعضاء مجلس نواب الشعب وهذا يدعو للاستغراب والحيرة.

اما بخصوص الجهة المؤهلة لمراقبة التصرف داخل محكمة المحاسبات، فقد تمت الاشارة اليها صلب الفصل 41 من القانون عدد 41 لسنة 2019 المتعلق بمحكمة المحاسبات الذي نص على رقابة لاحقة تقوم بها لجنة تتركب من عضوين يعيّنهما مجلس القضاء المالي من بين أعضائه يعدّان تقريرا يتمّ رفعه إلى رئيس مجلس نواب الشعب والمجلس الأعلى للقضاء. هل يمكن لعضوين لا تتوفر فيهما الشروط من حيث تضارب المصالح والاستقلالية والكفاءة مراقبة التصرف المالي داخل محكمة المحاسبات؟ اما بخصوص مراقبة ميزانية محكمة المحاسبات، فقد تمت الاشارة اليها صلب الفصل 64 من القانون عدد 15 لسنة 2019 المتعلق بالقانون الاساسي للميزانية الذي نص على خضوع ميزانية محكمة المحاسبات إلى رقابة لاحقة تقوم بها اللجنة المكلفة بالمالية بمجلس نواب الشعب. هل يمكن مراقبة ميزانية محكمة المحاسبات من قبل لجنة المالية التي ليست لها الامكانيات للقيام بتلك المهمة وليس لها جهازا رقابيا لكي تقوم بتلك المهمة؟ ان مثل هذه الاحكام التي وضعت لذر الرماد في العيون والضحك على الذقون لا يمكن ان تتضمنها الا قوانين فاسدة.

اما بالنسبة للهبة القطرية التي تحصلت عليها دائرة المحاسبات خلال سنة 2018 دون علم رئاسة الحكومة ووزارة المالية ووزارة التنمية والتعاون الدولي ووزارة الخارجية واعضاء مجلس نواب الشعب، فقد رفض الرئيس الأول لمحكمة المحاسبات مد منظمات المجتمع المدني بمعلومات بخصوص كيفية التصرف فيها في دوس صارخ على احكام القانون عدد 22 لسنة 2016 المتعلق بحق النفاذ الى المعلومة.

بالنظر للظروف الفاسدة التي تم فيها تمرير العديد من القوانين غير الدستورية التي صيغت لخدمة مصالح خاصة، هل سيبادر اعضاء مجلس نواب الشعب بتقديم مبادرات تشريعية لتفادي العيوب التي تضمنتها القوانين المشار اليها اعلاه.

وهل سيتم تفادي البدعة الفاسدة المتمثلة في الجمع بين المهام الرقابية والمهام القضائية مثلما هو الشان داخل المانيا وسويسرا وكندا والولايات المتحدة الامريكية والبلدان الاسكندنافية وغيرها؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!