الأستاذ الطاهر بوسمة / الشاذلي القليبي الذي عرفته

كتب الطاهر بوسمة:

كان اخر ما قراته له كتاب ” تونس وعومل القلق العربي” لخص فيه مسيرته الشخصية وخواطره بصدق وامانة وعلاقته بالحكم والسياسة ونشاطه في الحزب والحكومة ودوره في المحيط العربي كأمين عام لجامعة الدول العربية.

لخص ذلك كله في كتاب نشره اخيرا وقرأته في وقته وعلقت عليه في تدوينه نشرتها في المواقع الالكترونية وعدت اليها اخيرا.

فوجدته كما تصورته وقدرت أنها كانت وصيته الاخيرة للشباب ولمن تقدم بهم العمر من أمثالي وكشف لنا فيها نظرته للعلم والتفقه في الدين ولم يكن اجمالا يختلف كثيرا علينا بالرغم من دراسته العاليا بفرنسا التي لم تؤثر فيه،

لقد تيسر له في ذلك الكتاب المقارنة بين ما كتبه المستشرقون عن الإسلام وما تعلمه هو عن اصوله وممن درسوه بالمدرسة الصادقية من شيوخ الزيتونة.

لقد وجدته في ذلك الكتاب الذي اشرت اليه متمكنا من فهم للدين السلامي حتى أكثر من كثير ممن درسوا بالزيتونة.

كان متفقها في مقاصد الشريعة ويكبر شيخ الطاهر بن عاشور الذي يقر له بالاختصاص في تلك المادة الأساسية.

لم يكتب ذلك الكتاب في زمن واحد كما يظهر ولا في مرحلة معينة بل كان تلخيصًا صادقا وامينا لمسيرة طويلة طواها دراسة وتامل ودون ما بقي في ذهنه منها لديونها للأجيال الحائرة التي باتت ضائعة بين المتطفلين بدون علم او دراية.

لم يكن متفقا في البعض مما عاشه وشارك فيه سواء في السياسة أو في الحكم او كامين عام لجامعة الدول العربية، ولكنه يرد ذلك لإكراهات الحكم والسياسة.

كان يعتبر نفسه مفكرا ومثقفا أكثر من سياسي وقد ظهر ذلك عليه حتى في الظروف الصعبة، وذلك ما لا يمكن لاحد ان بنكره عليه.

عرفته لأول مرة وكنت زمنها واليا على القيروان لما جاءها في زيارة عمل وتفقد بوصفه وزيرا للشؤون الثقافية.

كان يعد المهندس الاول للثقافة في تونس المستقلة قبل أن يعين عليها وزيرا، واجتهد في نشرها افقيا وجمع شتات الجمعيات التي كانت تنشط بدون ضابط ولا رابط منذ زمن الحماية وعوضها بلجان ثقافية جهوية اخذت مكانها ونشرت الفنون الجميلة وأثبتت للمسرح الجهوي وجودا وكنت على ذلك من الشاهدين سواء كان ذلك بالكاف او بقصة أو بالقيروان أخيرًا وما زالت اثارها باقية بالرغم من العثرات التي اصابتها بتغيير المسؤولين على راس وزارة الشؤون الثقافية.

افتقدته الثقافة في هذا اليوم الحزين الذي اختاره الله فيه وليس لنا من اعتراض لان الموت حق علينا.

ستبقى ذكراه عالقة بِنَا ولن تنمحي من ذاكرتنا القصيرة لانه راهن على الفكر والثقافة واستثمر فيها.

وسيكتب له الخلود بفضل ما تركه للأجيال من انتاج فكري وثقافي وهو الرصيد الذي لا تقدر السياسة أن تمحه.

لقد كتبت هذه الخواطر على عجل ولم أتفاجأ بالخبر لأني كنت على علم من تدهور حالته الصحية، ولكن ذلك احزنني كثيرا بالرغم من ايماني بان الموت حق علينا جميعا مهما طال بنا العمر وعشنا.

لذا فلا املك الا ان اترحم على روحه الزكية متقدما بتعازي الصادقة لعائلته الصغيرة ولأصدقائه ولتونس ولمن ما زال يذكره من العرب وقد خصهم بأكثر من عشر سنين. متمنيا أن يتغمده الله برحمته الواسعة وفضله علينا. وانا لله وانا اليه راجعون.

                                                    تونس في13 ماي2020 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!