كتب محمد الرصافي المقداد / بداية ثورة عالمية على هيمنة الدولار الأمريكي

بقلم: محمد الرصافي المقداد

أخيرا طلع على العالم أمل التخلّص من هيمنة قطب ظالم متسلط، أعتقد أنه بجبروته الإقتصادي والسياسي، وهيمنته على مقدّرات دوله بالخداع والحيلة والتهديد، باستعراض العضلات العسكرية، والتدخّل فيها بمكر استخباراته، وخططه في تغيير أنظمة حكمها، بما يخدم مصلحة هذا القطب.

أمريكا اليوم هي نفسها أمريكا الأمس لم تتغير، فما كان يُمرّره دهاة حكامها بهدوء ، أخرجه جملة وتفصيلا الرئيس الأخير ترامب – لعله يكون كذلك بحسب المؤشرات الحاصلة – واضعا العالم بأسره على كف عفريت

 

فكرة التخلّي عن التعاملات التجارية، بين دول العالم المتضرر من السياسات الإملائية القسرية الظالمة، التي تعمل امريكا جاهدة على فرضها، لبقاء هيمنتها على الاقتصاد العالمي، بدأت تنتشر، وتتشكل في تحالفات اقتصادية، تبدو على أسس قوية، ففيما أشاحت إيران بوجه تعاملاتها الإقتصادية عن الدولار، متخلّية عنه نهائيا منذ فترة، ردّا على العقوبات الظالمة التي تعرضت لها، وهي تبدو سبّاقة الى هذا القرار، كحلّ لتحرير اقتصادها، من اعتماده كعملة ومؤشر مالي عالمي، فهي الآن تعتمد في التعامل الإقتصادي على العملات المحلّية، كاليوان CNY الصيني، والروبية الهنديةINR ، والروبل الروسي RUB، واليورو الأوروبي EUR.

 

ورغم أن تركيا منتمية الى حفل الناتو الذي تقوده أمريكا، فإن أردوغان بعد توتّر علاقاته بترامب، عبّر عن استعداد بلاده، للانتقال في التعاملات التجارية بالعملات المحلّية، بين بلاده والصين وروسيا وإيران وأوكرانيا، وعبّرت روسيا على لسان وزير طاقتها، أنها ستأخذ المقترح مأخذ الجدّ.

 

قائد الثورة الإسلامية الإيرانية السيد علي الخامنئي، اعتبر الحظر المفروض على ايران وروسيا وتركيا من قبل أمريكا، قاسما مشتركا قويا، لتطوير التعاون بين هذه الدول، وأكّد أنه على الجمهورية الإسلامية الإيرانية روسيا، ضمن تطوير التعاون السياسي والاقتصادي بينهما، أن يتابعا بقوة تنفيذ الإتفاقات التي تم التوصّل إليها، مشدّدا على ضرورة إنجاز المبادلات والمعاملات الاقتصادية والتجارية بينهما، خارج إطار الدولار الأمريكي.

 

الرئيس الفرنسي عبّر بدوره عن قلق وانشغال بلاده،  من اعتماد الاتحاد الاوروبي في تعاملاته المالية والتجارية على الدولار، قال في 2018: “هذه مسألة سيادة بالنسبة إلي، ولهذا السبب أردنا أن نعمل عن كثب مع مؤسساتنا المالية، على المستويات الأوروبية ومع جميع الشركاء، من أجل بناء القدرة على أن نكون أقل اعتماداً على الدولار”.

 

مقابل غطرسة وهمجيّة أمريكا، تبدو القيادة الصينية أكثر حكمة، في مواجهة استفزازاتها، فبعد دراسة عميقة أجراها خبراؤها، تقدّمت بمشروع انشاء منظمة اقتصادية عالمية، بإمكانها أن تحمي بها اقتصادها، واقتصاد الدول التي المشتركة معها في عضويتها، ونجحت بتاريخ 15 جوان 2001، في تأسيس منظمة شانغهاي للتعاون(SCO)، Shanghai Cooperation Organisation، وصلت الى ثماني دول أعضاء هي: (الصين، وروسيا والهند، أوزبكستان، وباكستان، وطاجيكستان، وقيرغيزستان، وكازاخستان)، فضلا عن أربعة دول مراقبة، أبدت الرغبة في الحصول على العضوية الكاملة هي: (إيران، وأفغانستان، وبيلاروسيا، ومنغوليا)، وستة ”شركاء حوار“ هي: (أرمينيا، وأذربيجان، وتركيا، وسريلانكا، وكمبوديا، ونيبال).

 

تعدّ منظمة شانقهاي للتعاون، أكبر منظمة إقليمية دولية، فمن حيث الامتداد الجغرافي، تمثّل ما يزيد على ربع مساحة اليابسة في العالم، ( 39.103.195 كلم2 مقابل 148.939063 كلم2) اما من حيث التعداد فدوَلها تضم نصف سكان العالم ( حوالي 3.5 مليار نفس)

 

القرار الذي اتخذته الدّول الأعضاء في منظمة شانغهاي للتعاون باعتماد العملات الوطنية في معاملاتها التجارية والمالية، وخطت خطوة في ذلك الاتجاه، بإصدار سندات مالية بينها، يعتبر انقلابا على هيمنة الدولار الأمريكي، في تجارة الذهب والتعاملات النفطية.

 

تطلّع هذه الدّول للخروج من ربقة هيمنة الدولار، وتأثيراته السلبية على عملاتها واقتصادها، خصوصا الدول الواقعة ظلما تحت طائلة العقوبات التعسّفية الجائرة، والأحادية الجانب من أمريكا، وتعمل لفرضها بالقوة والتهديد، وهو أسلوبها في السّيطرة على دول العالم، سيدفعها الى التعاون في هذا الإطار بكل طاقاتها، للخروج من هيمنة عقيمة، آن الأوان لها ان تنتهي.

 

يبدو أنّ الدّولار فقد قمته الذّهبية منذ عقود، بعد فك الإدارة الأمريكية ارتباطها به سنة 1971،  فضحه انسحابها من الاتفاق الماليّ Bretton Woods، الذي جَرى التَّوصُّل إليه بعد الحرب العالميّة الثانية، ممّا سمَح للبنك المركزيّ بطبع المِليارات من الدولارات دُونَ غِطاءِ الذَّهب، ودون حسيب ولا رقيب، فأغرقت به العالم فارضة اعتماده بقوة، وهو كما هي حال برميل نفط التكساس Brint Texas، دون الدولار الذي وصل اليه هذه الأيّام، بما يعني لا شيء مقابل لا شيئين.

 

آلية مقاومة الخزانة الأميركية، بإنشاء بنوك صغيرة، خارجة عن النظام المالي العالمي، الذي تتحكم فيها أمريكا، وليس بمقدورها كشفها من قبيل (بنك UCO وبنك IDBI)، دفع الدّول المستهدفة بالعقوبات الى اعتماده في حساباتها المالية التجارية، كما لم تتأخر الصين في تسعير النفط العالمي بعملتها اليوان، وتسديد مشترياتها منها مستقبلا، خطوة جادّة تعتبر بداية النهاية لهيمنة الدولار المطلقة على العالم، وطلوع نجم  (البترو يوان)، فمن عنده دولار أمريكي فليصرفه من الآن، قبل أن يصبح أوراق خريف ذرتها حماقة ترامب.

 

.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!