كتب محمد الرصافي المقداد: صفقة القرن مسمار أخير في نعش الكيان الصهيوني

بقلم: محمد الرصافي المقداد

التنامي الملموس الذي بلغه محور المقاومة خلال عقدين من الزمن، وشهده العالم بحقائقه، ونتائجه المثلجة لصدور المؤمنين بعدالة القضية الفلسطينية، لم يكن وليد صدفة، جعلته يصل الى المستوى الذي بلغه اليوم من القوة والتمكن، من الوقوف في وجه العدو الصهيوني، وإرغامه على التراجع والانكسار والهزيمة سواء في جنوب لبنان، أو في قطاع غزة .هذا التنامي الكبير، لم يكن ليحصل، لولا وجود راع له قائم بشؤونه، أعلن موقفه العادل من القضية الفلسطينية، منذ انتصار ثورته المباركة، هو قطعا الإمام الخميني رحمه الله، الذي أسس الأساس الصّلب، وبنى المسيرة الحقيقية، التي صححت بوصلة حل القضية الفلسطينية، ودعا إلى تطهير فلسطين من رجس الصهاينة، بمواجهة ومقاومة العدو، وإن أي طريق آخر، كالمفاوضات والتسويات التي أقيمت، هو قطعا خيانة لأرض فلسطين وشعبها وحقوقه، كائنا من كان سالكها.

ومنذ سنة 1979 بدأ الإعداد لمحور مقاومة، ظهرت خلاله فصائل وحركات وأحزاب، اجتمعت على نهج التحرير الكامل لأرض فلسطين، واعتبار التنازل عن هذا الهدف، والانحراف عن الغاية المنشودة، خيانة بحق فلسطين أرضا وشعبا، فترسخت هذه القناعة في هذا المحور، وقواعده في البلاد العربية والاسلامية، وتميز من خلال حركته التي اثبتت بمرور الأيام، أنه يحمل معه الحل الوحيد للقضية الفلسطينية.

هذا المستوى العالي الذي بلغته حركات المقاومة، لم يكن ليحصل، لولا الدعم الكبير الذي قدمته ايران لمختلف فصائلها، بقطع النظر عن إديولوجياتها الفكرية والعقائدية، وهذا ما جلب لها متاعب جمة، خصوصا من طرف أمريكا، راعية وداعمة الكيان الصهيوني، مسلطة عليها مختلف أنواع العقوبات، وفارضة عليها حصارا قاسيا، يزداد ضغطا مع كل نجاح يحققه هذا المحور، وقد اثبت جدارته في محاربة داعش والقضاء عليها، سوى قليل من فلولها، التي لا تزال تحت حماية القوات الأمريكية في سوريا والعراق.

لم يمر هذا المشروع التحرري، بتنامي عناصره وفعالية دوره، دون رد فعل، من بقية الدول الغربية وخصوصا بريطانيا، التي اسست لوجود الكيان الصهيوني وفتحت له آفاق التوسّع في الأراضي الفلسطينية، والتواجد في قلب المنمقة العربية والاسلامية، وهي ترى منذ مدة بأجهزتها وخبراءها، تساقط عناصر البقاء والثبات، لمشروعها الخبيث في الشرق الاوسط، فعملت على تسريع عمليات التطبيع مع الكيان الصهيوني بالتشجيع والتحفيز، وتساقطت آخر ورقات التوت، عن انظمة عربية، كانت فيما مضى تداري علاقاتها مع الكيان الصهيوني، فانكشفت عوراتها، بحيث ذهب حياءها، وجف ماء وجه انظمتها من العمالة والتواطئ.

هروب أمريكا الى الامام، بإعلانها عن مشروعها الجديد، المتمثل في صفقة القرن، التي دعا الى تحقيقه رئيسها ترامب، أملا في انهاء استحقاق الشعب الفلسطيني لأرضه، وسد الطريق وقطع ذريعة تحريرها، أمام إيران بمحور مقاومتها، ويبدو ان الرئيس الامريكي قد وضع يده على القسم الاكبر من الحكام العرب، فهم بين صامت ابكمته حصة بلاده من المساعدات والهبات، التي عادة ما تخصصها الادارة الامريكية للبلدان العربية والاسلامية، الخاضعة لسياساتها الخارجية، وبين متواطئ غارق الى أخمص أذنيه في مستنقع العمالة والتبعية، فاقد لقيم الدين والوطنية، بلا غيرة تحوزه عن بيع مقدساته.

والناظر اليوم الى واقعنا العربي والاسلامي، بإمكانه أن يتبيّن الحالة السيئة التي وصلنا اليها حكاما وشعوبا، بمواقفنا السلبية حيال القضية الفلسطينية، والتي تفرض علينا أن نقف جميعا الى جانب الشعب الفلسطيني، من أجل استرجاع أرضه ودحر الغاصب المحتل، واجب لن يتحقق الا بتعاون جماعي يفتح علينا أبواب النجاح والنصر، ويوقف استمرار مؤامرة غربية خبيثة، تتجاوز الشعب الفلسطيني الى غيره من شعوب المنطقة.

لم يتأخر الموقف الايراني بخصوص صفقة القرن الأمريكية عن الظهور، كعادة إيران في الدفاع عن الشعب الفلسطيني وقضيته، ففي تغريدة نشرها موقع مكتب الامام الخامنئي على (تويتر)، جاءت على لسانه قوله: (رغماً عن أنوف المسؤولين الأميركيّين، لن تتحقّق بتوفيق من الله أبداً، سياسة أميركا الشيطانيّة والخبيثة، المسمّاة صفقة القرن .. كما أنّهم يرتكبون حماقة رعناء، بمساعيهم لتهويد بيت المقدس، وقولهم بأنّه يجب أن يكون بأيدي اليهود..

وأضاف سماحته: لن تُمحى قضيّة فلسطين من الأذهان وسوف يتصدّى لهم الشّعب الفلسطيني وكلّ الشعوب المسلمة ولن يسمحوا بتنفيذ صفقة القرن.)

موقف مبدئي يستحق الاهتمام والتنويه به، في ظل ردّة استشرت بين حكام الشعوب العربية والاسلامية، قد سبقته مواقف جديرة بالتقدير، بخصوص ملفات أخرى كانت لها ايران بالمرصاد، فأجهضتها قبل استفحالها، كقضية الابادة العرقية، التي مارسها الصرب في حرب البلقان، ضد مسلمي البوسنة، والتي لولا المساعدة العسكرية التي قدمتها اليهم ايران من أجل الدفاع عن انفسهم، لذهبوا نتيجة عنصرية وجشع وحقد الصرب.

مختصر الحديث عن المبادرة الامريكية المسماة بصفقة القرن، أنها المسمار الأخير في نعش الكيان الصهيوني، لكنه نعش لن يجد مكانا ليدفن فيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!