كتب محمد الرصافي المقداد/ يوم القدس العالمي يوم النّداء الأكبر

بقلم: محمد الرصافي المقداد

لا يمكن أن نستجلي حقيقة وأبعاد يوم القدس العالمي، الذي أعلنه الإمام الخميني، نصرة للقضيّة الفلسطينية، متحدّيا الدّول الكبرى، المؤسسة والراعية للكيان الغاصب لأرض فلسطين، إلا بعد متابعة أطواره، وتتبع مراحله منذ اليوم الأوّل إلى اليوم، بعد مرور40 دورة عليه، ونقترب في هذا الشهر الكريم من الدّورة 41، لنستخلص كيف كان التعامل مع القضية الفلسطينية؟ وكيف أصبح؟ لكن قبل ذلك، لابد من استعراض مجمل التحركات، والمواقف العربية الرسمية تجاه القضية الفلسطينية.

عرف الصراع العربي الصهيوني منذ أن بدأ، بحرب اشتركت فيها قوات مصرية وأردنية وسورية ولبنانية وعراقية وسعودية، رفضا لاستلام قطعان الصهاينة من القوات البريطانية- بعد اعلانها انهاء الإنتداب، وانسحابها من فلسطين – عهدة الأراضي الفلسطينية، بما عرف بعد ذلك بالنّكبة (1948/1949)، وقد منيت حينها القوات العربية بسلسلة من الهزائم، انتهت بتمدد الكيان الصهيوني، واستيلائه على مساحات جديدة من أرض فلسطين.

 

ثم جاءت حرب الأيام الستة، والنّكسة الكبرى في جوان 1967، وفقدت فيها مصر شبه جزيرة سيناء، وفقد الأردن الضفة الغربية وشرقي القدس، وفقدت سوريا الجولان والقنيطرة، ومن أهمّ أسباب هذه الهزائم، الثقة بالاتحاد السوفييتي، والإعتماد على أمريكا والغرب، وهم شركاء وداعمي الكيان الصهيوني، فضلا عن ضعف الكفاءة العسكرية للقوات العربية وهزالة تسليحها وضعف إسنادها، في مقابل مجموعات صهيونية موحّدة، جيّدة التدريب والتسليح، ومسندة بشكل كامل بكل ما تحتاجه.

 

بعد النّكسة انعقدت في العاصمة السودانية الخرطوم قمّة عربية، عرفت بالاّآت الثلاث 29/8 الى1/9/1967 تبنّت شعار: (لا صلح لا مفاوضات ولا اعتراف بإسرائيل)، وتبنّت قرار تصفية القواعد العسكرية الاجنبية في الدول العربية.

 

بعد حرب أكتوبر 1973 التي خدع فيها الجيش المصري بعد أن كان على ابواب انتصار ساحق، وانتهت بوقف اطلاق النار بعد ثغرة الدبريسوار التي احدثها الجيش الصهيوني، بدأ العرب يدخلون مرحلة التفاوض والتطبيع وخيانة القضية الفلسطينية، افتتحها المقبور السادات بزيارته الى القدس، والقاء مهزلة خطابه في الكنيست الصهيوني في نوفمبر1977، وكان مفاجئة للرأي العالم المصري والعربي والاسلامي، ولكنّ تلك الخطوة ما كان ليقوم بها لو لم تكن مرتّبة من قبل، وذلك يؤشر الى أن خيانة في أعلى هرم السلطة بدأت بالتفشّي.

 

وكردّ فعل على ذلك الانحراف الخطير أقدم لفيف من المؤمنين المجاهدين الغيارى في الجيش المصري على اغتيال الخائن السادات في احتفالات ذكرى حرب اكتوبر بتاريخ 6/10/1981، وظهرت بعد ذلك جبهة الصمود والتّصدي، في 9/11/1977، مؤلّفة من ليبيا وسوريا والعراق والجزائر ومنظمة التحرير الفلسطينية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية

 

لا شك ان هناك ترتيبات سرّية بقيت طي الكتمان على الخطوات التي قامت بها الإدارة الامريكية من اجل استدراج الانظمة العربية الى مسار مفاوضات الاستسلام للكيان الصهيوني والتفريط في القضية الفلسطينية، فهي متشعبة ومتلونة وكثيرة، لا يسعني الا ذكر أهمّ عناوينها، ليس بوسعي ان اقول انها البداية ولكنها ثمرة اولى من ثمراتها الخيانية، فاتفاقية كامب ديفيد في 17/9/1978 تحت رعاية الرئيس الأمريكي جميم كارتر وبمشاركة المقبور السادات ورئيس وزراء الكيان الصهيوني مناحيم بيغن، وما تمخض عن مفاوضات سرية استمرت 12 يوما باعتماد القرار الأممي 242 قاعدة للتّوسع فيه ليكون حلا للقضية الفلسطينية.

 

ثم تلا ذلك إتّفاق ثان، في نفس إطار كامب ديفيد، بعد انسحاب القوات الصهيونية من سيناء، مقابل اعتراف رسمي مصري، بدولة الكيان، وتبادل العلاقات الدبلوماسية معها سنة 1979،

 

بعد سلسلة من التحضيرات، والمفاوضات التمهيدية السّرّية، جاء مؤتمر مدريد سنة 1991،

 

ولم تتخلّف منظمة التحرير الفلسطينية عن ركب المفاوضات للوصول في الأخير الى الاعتراف في بيان الجزائر عام 1988 بالقرار الأممي 242 وبحل الدولتين، والقبول بدولة أصغر بكثير من مساحة فلسطين التاريخية لا تتجاوز مساحتها 22% مقابل التسليم للاحتلال بـ78%، والتطبيع مع الكيان الى حد التعاون الأمني في ضرب عناصر المقاومة في الضفة والقطاع.

 

ثم أقيم مؤتمر مدريد في 30/10/1991 على أساس الأرض مقابل السلام، الذي مهّد لإبرام اتفاقية أوسلو(النرويج) التي تمّت بعد مفاوضات سرّية ومباشرة، بين شمعون بيريز وزير الخارجية الصهيوني، ومحمود عباس امين سرّ اللجنة التنفيذية للمنظمة، أمضي عليها في البيت البيض بتاريخ 13/9/1993 برعاية الرئيس الامريكي بيل كلنتون، وحضور اسحاق رابين رئيس وزراء الكيان، وياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية.

 

هذه الاتفاقات المعبّرة عن انهزامية تامّة، وتفريط لا مبرر له في حقوق الشعب الفلسطيني، قوبلت بظهور حركات مقاومة اسلامية عبّرت عن رفضها لكل تلك المسارات وفي مقدّمتها اتفاق اوسلو، وقامت كتعبير على ذلك الرفض المبدئي، بشن عمليات استشهادية، ضد المستوطنين الصهاينة وقواتهم، في مقابل ذلك، التحق النظام الأردني بركب خيانة القضية الفلسطينية، فأمضى على اتفاق سلام مع الكيان الصهيوني، عرف باتفاق وادي عربة، في 26/10/ 1994، كرّس مبدأ الاعتراف به، والتعاون الاقتصادي معه بين الحدود، اضافة التي الترتيبات الأمنية، لتفادي أي اختراق للحدود من الجانب الأردني، حماية للإحتلال الصهيوني، ومنعا لأيّ عمليّة فدائية، قد تأتي من الجانب الأردني.

 

ثم تتالى التآمر على القضية الفلسطينية والتفريط في حقوق شعبها، من داخل فلسطين كالسلطة الفلسطينية، وخارجها من أنظمة عربية، وجدت مبرّرا يدفعها إلى ذلك، بعدما كانت السبب في توريط منظمة التحرير الفلسطينية في مسار تفاوضي، لم تحقق منه شيئا يستعيد الحقوق المسلوبة، سوى مزيد من التنازل عنها، وأعمال التطبيع التي شهدناها منذ سنوات ولا تزال قائمة بنسق متسارع، هي ثمرة سياسات عقيمة، فرضتها أمريكا بالتواطؤ مع انظمة غربية، تريد إنهاء ما بقي من حقوق شعب مظلوم، افتكت ارضه وبيوته، وقتل من أهله من قتل، وشٌرّد من شٌرّد.

 

وإزاء الوضع الخطير الذي أصبحت عليه قضية الشعب الفلسطيني، بما ينبئ بسوء مصير، ليس مقتصرا على فلسطين وشعبها فقط، بل ستلحق آثاره ببقية شعوب المنطقة، في صورة إذا ما تواصل سقوط أنظمتها، في مسار الإستسلام للكيان الصهيوني، أو حتى مجرّد السكوت عليه كأنّها بمنأى عنه، وفي هذا تحدّث الإمام الخميني رضوان الله عليه، مذكّرا بالتقصير الذي وقع، بخصوص مقاومة العدوّ الصهيوني فقال:

 

” لو أن زعماء المسلمين والعناصر الفاعلة في الأمة، ومن ورائهم الجماهير، كانوا قد سجلوا آنذاك (عام 1948) حضوراً واعياً ومقاومة جادة، لما شهدت هذه المنطقة اليوم كل هذه المصائب والمآسي، ولما تجرعت مرارة الحنظل من هذه الشجرة الخبيثة المتمثلة بدولة الصهاينة، ولما عانت شعوب المنطقة، وخاصة الشعب الفلسطيني المظلوم ما عانته خلال الأعوام الخمسة والأربعين الماضية”.

 

ومن هذا الواجب المقدّس جاء نداء الإمام الخميني، لإحياء يوم القدس العالمي، استنهاضا للشعب الفلسطيني، للقيام بواجبه في مقاومة عدوه الغاصب، وتحفيزا للشعوب الشقيقة والصّديقة، على مناصرة قضية فلسطين العادلة، وعدم التراخي عنها كل بحسب امكانياته وجهده، وتظافر الجهود المبذولة، يفضي دائما الى تحقيق المُراد، نداء عميق في أساسه العقائدي، سبقه نداءات  قبله، ولكنها لم تكن بهذا التأسيس الحقيقي الصلب، وما تمخض عنه من قيام حركات مقاومة إسلامية، لا ترى حلّا لقضيّتها سوى عن طريقه، لذلك أقول إنه النداء الأكبر لنصرة القضية الفلسطينية، بما اشتمل عليه من جوانب عديدة رافدة له، عقائديا وإعلاميا وعسكريا واقتصاديا.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!