“لوموند”: تونس تواجه خطر التشرذم السياسي…النهضة والشاهد في مواجهة الشعبوية الناشئة

مرة أخرى، تلفت الأحداث السياسية التي تشهدها تونس الأنظار، خاصة وأن التجربة الديمقراطية التي تخوضها البلاد تعد فريدة في العالم العربي والإسلامي، وستخوّل (التجربة) للتونسيين انتخاب رئيسهم بشكل مباشر للمرة الثانية منذ 2011، إلا أن هذا الأمر لا يخفي تشرذم المشهد السياسي، بحسب صحيفة لوموند الفرنسية.

ويوم أمس الاثنين انطلقت الحملات الانتخابية لتتواصل إلى غاية 13 سبتمبر الجاري، ويتنافس فيها على المنصب 26 مرشحا، إلا أن عقد هذه الانتخابات التي تؤكد في حد ذاتها على انخراط البلاد في مسار ديمقراطي، يحدث في أجواء مربكة، ووسط حالة من الغموض والقلق، بحسب الصحيفة.

ومن وجهة نظر أستاذ العلوم السياسية في تونس حاتم مراد فإن “هذه المحطة الانتخابية لا تخلو من المخاطر المتمثلة في عدم القدرة على الحكم”.

رهان وتحولات

وبحسب قراءة مراسل الصحيفة الفرنسية فريديريك بوبين، فإن الرهان الرئيسي يتعلق باستقرار المشهد السياسي الذي يعرف حالة من إعادة التشكيل، مما يدفع لطرح تساؤلات بخصوص ما إذا كانت الانتخابات الرئاسية التي ستجرى يوم 15 سبتمبر الحالي، والتي ستتبع بانتخابات تشريعية يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، ستساهم في مزيد تفتيت المشهد الحزبي أو في تقليل تشرذمه.

ومن بين المرشحين للرئاسة تُبرز نتائج سبر الآراء واستطلاعات الرأي العام شخصيات “شعبوية” أو “المناهضة للنظام” على خلفية عدم الثقة في الحزبين الرئيسيين نداء تونس (الحداثي) والنهضة (الإسلامي).

وفسّر الكاتب التحولات التي يشهدها المشهد التونسي بتأثير الجانب الاجتماعي، خاصة قضية الفقر، مما ساهم في صعود صاحب قناة “نسمة” والشخصية المثيرة للجدل نبيل القروي، الذي تمكّن من كسب تعاطف الناس من خلال الأنشطة الخيرية في القرى الفقيرة والمناطق الداخلية.

ولفت فريديريك بوبين إلى أن القروي المشتبه به في قضايا “غسل أموال” و”التهرب الضريبي” والذي يوصف غالبا بـ”برلسكوني تونس”، لا يستطيع الإشراف بنفسه على حملته الانتخابية بسبب اعتقاله يوم 23 أوت الماضي، إلا أنه لا يزال رسميا منافسا وفقا للهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

وبحسب مناصريه، فإن اعتقاله يعد “مناورة سياسية” تعود لما أسموها ممارسات النظام القديم، في إشارة إلى سياسات الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي تجاه معارضيه، إلا أن هذا الاعتقال عزز من شعبيته بحسب نتائج سبر الآراء.

أسماء وتنافس

وفي هذا المشهد الانتخابي الرئاسي تبرز أسماء أخرى من بينها الأكاديمي قيس سعيّد الذي يتبنى خطابا محافظا، أو المحامية عبير موسى التي تغازل الناخبين المناصرين للرئيس المخلوع بن علي ومنظومة حكمه.

ولعل بروز هذه الأسماء ووجودها في ساحة التنافس للوصول إلى سدّة الحكم يعكس، بحسب الصحيفة، البحث عن بدائل للوجوه أو الأحزاب التي سيطرت على المشهد السياسي لمدة ثماني سنوات.

وبشأن هذا الأمر، يقول أستاذ العلوم السياسية حمادي الرديسي “عندما نرى شخصيات سليلة الحكم الاستبدادي وحالة من التفتت في المشهد السياسي فإنه لا يمكننا الحديث عن توطيد الديمقراطية في تونس”.

من المرجح أن يعيد موضوع التشرذم السياسي فتح نقاش كان يعتقد أنه انتهى، والمتعلق برفع العتبة الانتخابية (نسبة الأصوات للحصول على مقعد بالبرلمان)، حيث يرى المدافعون عن فرض هذه العتبة أنها ستجنب تشتت المشهد البرلماني وتحلّ أزمة الحكم، لكن منتقديها يصنفونها خطرا على الديمقراطية والتعددية.

ويبرز المرشح الرئاسي ووزير الدفاع المستقيل عبد الكريم الزبيدي كأحد أبرز المطالبين بهذا الإصلاح الدستوري لإنهاء حالة التفتت الحزبي، كما أنه لم يخف رغبته أيضا في إعادة توازن السلطات لصالح رئاسة الجمهورية مقابل رئاسة الوزراء.

ويقول كاتب المقال إن موت الرئيس الباجي قايد السبسي قبل نهاية ولايته الرئاسية قلب المواعيد الانتخابية، مما جعل الانتخابات الرئاسية تُجرى قبل التشريعية، الأمر الذي دفع رئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى خوض غمار الرئاسيات، رغم أنه لم يكن يرغب في البداية بذلك، حسب الكاتب.

كما أن حركة النهضة التي كان لنوابها أهمية كبيرة في صياغة دستور عام 2014، استسلمت أيضا للأمر الواقع، وتقدمت بمرشح رئاسي يتمثل في شخص المحامي عبد الفتاح مورو.

موعد دقيق

ويعد هذا الموعد السياسي المهم دقيقا بالنسبة لحركة النهضة فيما يخص علاقتها  بالمرجعية الدينية، ورغم أن الحركة أعلنت في 2016 وخلال مؤتمرها العاشر الفصل بين الجانب الدعوي والجانب السياسي، يمضي مورو قدما في الأمر مقترحا أن يتم تصنيف الحزب محافظا فقط، معتبرا أن “المشاكل في تونس سياسية واقتصادية واجتماعية وليست دينية”.

ووسط هذا المشهد المتشرذم، يجد حزب النهضة وشريكه في الائتلاف الحاكم حزب تحيا تونس (المنشق من حزب الرئيس الراحل نداء تونس) بقيادة الشاهد، نفسيهما في مواجهة الشعبوية الناشئة لا سيما تلك التي يجسدها نبيل القروي.

يبدو أن اعتقال القروي ليس أمرا كافيا لتحييده من السباق الرئاسي، مما يجعل البلاد تواجه فخا، بحسب المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي الذي يقول “ترك القروي حرّا في القيام بحملة انتخابية أمر خطر واستبعاده لا يقل خطورة”.

وبحسب الكاتب فإنه وفي ظل هذه الظروف، يبدي جزء من الناخبين “الحداثيين”، الرافضين للنهضة وللمغامر نبيل القروي، اهتمامهم بالزبيدي الذي تقلد منصب وزير الدفاع لثلاث مرات منذ 2011، معتبرين أنه يمكن أن يجسد استمرارا معينا للدولة، في حين تبقى كل الاحتمالات مفتوحة وغير مؤكدة في هذا السباق الرئاسي.

المصدر : لوموند

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!