كتب محمد الرصافي المقداد : لا يكتمل الأمن والاستقلال الا بالاكتفاء في الصناعات العسكرية

بقلم: محمد الرصافي المقداد

الدولة التي لا تمتلك برنامج صناعة اسلحتها، تبقى رهينة الدول المصنعة لها، وتحت شروطهم واملاءاتهم المجحفة، هذا دون الحديث عن قيمة تلك الاسلحة المرتفعة جدا، مقارنة بتكاليف صناعتها، بل وان اي دولة تتعرض الى اعتداء ما، ولا تجد الاسلحة الكافية للدفاع عن نفسها، تكون في تلك الحال، تحت ضغط التنازلات للدول الاستكبارية، على حساب مبادئها وقيمها وأهدافها، فلا يكفي ان تنجح ثورة شعب، دون ان تكون ملتفتة الى هذا الجانب الحساس، ومانحة له أولوية قصوى.

وقد حددت ايران منذ انتصار ثورتها هدفها في هذا المجال، حيث ما فتئت الصناعات العسكرية الاسلامية الايرانية تتطور باطراد مستمر، وتخطو خطوات عملاقة ولافتة، نحو اللحاق بركب القوى الكبرى، المتسابقة في مجال صناعات الدفاع والردع العسكري، وربما التفوق عليها في المستقبل القريب.

تسارع وتيرة الانجازات التي حققها ابناء الثورة الاسلامية وولاية الفقيه، تعطينا دليلا لا يقبل الدحض، على القيمة العالية للقيادة الايرانية، وحكمتها على مستوى تسيير البلاد، وترتيب اوليات اهدافها، وفي مقدمتها تحصينها من أطماع أعدائها، واعدادها كقوة قادرة على مواجهة أي عدوان خارجي محتمل، فقد كشف فيلق حرس الثورة الإسلامي،عن صاروخ باليستي جديد، قصير المدى،  أطلقوا عليه اسم رعد  Raad-500 ، هذا الصاروخ مجهز بمفاعلات زهير الجديدة، المصنعة بمواد مركبة، أخف من تلك الموجودة في طرازات الصلب السابقة، وكشفت كذلك عن وجود مفاعلات سلمان، مصنوعة من نفس المواد، ولكنها مزودة بـ فوهة متحركة، لإرسال الأقمار الصناعية إلى الفضاء.

 

يمكن تشغيلRaad-500  بواسطة مفاعل جيل جديد، مصمم لوضع الأقمار الصناعية في المدار المحدد لها، ووفقًا لتصريح العميد أمير علي حجي زاده، قائد قوة الحرس الفضائية، فإن صاروخ رعد 500 هو جيل جديد من الصواريخ المتطوّرة، التي توصّل اليها خبراء الصناعة العسكرية الإيرانية، هو أخف بنسبة 50٪ من صاروخ فاتح 101، لكن مداه أكبر بـ 200 كم، الميزة الكبيرة لصاروخ Raad-500   ليست في  جسمه فقط، بل وأيضا في نظام الدفع الخاص به المصنوع من مواد خاصة.

صاروخ رعد 500 الجديد، قادر على التحرك بما يصل إلى 10 Mach قبل الوصول إلى هدفه، مما يثبت وصول إيران إلى تكنولوجيا الصواريخ بسرعة تفوق سرعة الصوت، فأول الصواريخ من طراز Fateh-110، وحتى الأنواع المضادة للسفن والرادار، مثل صاروخ خليج فارس، لم تصل سرعتها إلى 3 Mach (*).

 

تسمح التكنولوجيا المستخدمة في تصنيع هذا الصاروخ، بتصنيع منصات إطلاق خفيفة، تعمل بالأقمار الصناعية، وصواريخ أرض – أرض مع دقة منخفضة (رادار مكافئ)، وصواريخ قادرة على القيام بمناورات مفاجئة، من أجل تجاوز الدروع المضادة للصواريخ،  كما أنه يقلل التكاليف، ويزيد من معدل الإنتاج، ويقلل من تعقيد عملية الإنتاج.

 

جدير بالذكر ان ايران لم تكن لها قبل ثورة شعبها سنة 1979، أية صناعات عسكرية عموما وصاروخية خصوصا، وبعدها احتاجت اليها للدفاع عن نفسها، وامتنع المعسكران الشرقي والغربي بيعها احتياجاتها، حتى الصفقات التي أبرمها الشاه المقبور، وقع الغاءها والحجز على مبالغها، وبعد جهود ولأي كبيرين، تحصلت إيران على عشرة صواريخ من ليبيا، قام مهندسو الميكانيك بتفكيكها وصناعة قطعها، ومنها انطلقت تجاربهم، وبدأوا بالدخول في مجال الصناعات الصاروخية بتلك الكيفية.

 

عديدة هي انواع الصواريخ الايرانية، من قصيرة الى متوسطة الى بعيدة المدى، ومن ارض أرض، الى ارض جو، الى ارض بحر، الى التوربيدات بحر بحر، وهي صواريخ تطلق من القواعد الثابتة والمتحركة، ومن المدمرات البحرية والغواصات، وانظمة الدفاع الجوي والطائرات، وايران من دول العالم المعدودة التي تمتلك قاعدة فضائية، اطلقوا عليها اسم قائد الثورة الاسلامية الامام الخميني، تقوم بتطبيق برنامج واعد، بإرسال الأقمار الصناعية، والكبسولات المأهولة بقرد، كبداية طريق نحو التمكن التام بهذا التخصص، الذي بقي حكرا على امريكا وروسيا، ولحقتهم الصين، وستلحقهم ايران بإذن الله وعزيمة رجالها .

ثلاثة اصبحوا يعرفون جيدا ما تعنيها بعض الصواريخ الايرانية، الاولى داعش عندما تلقت صلية منها، اصابت مواقعها في دير الزور بأضرار فادحة، الثانية الكيان الصهيوني الذي اصيب في خمسة مواقع له في الجولان المحتل، والثالثة امريكا في قاعدة عين الاسد بالعراق، وتكتم أمريكا على خسائرها، وتتابع تقسيطها بعد ذلك، دليل على حالة الارباك والخوف، الذين رسما ردة الفعل السلبية، التي خيبت ظن من كان يحلم برد كبير وصاعق ضد إيران، لكن هيهات.

 

ضربات دقيقة ومؤثرة، اصابت اعداء ايران، فاربكت حساباتهم، وشلت حركتهم، اما داعش فقد اصبحت في خبر كان، سوى فلول لها تعيش اليوم تحت حماية صانعتهم امريكا، ويقومون من حين لآخر بهجمات انتحارية، لا غاية لها، سوى  مد عمر البقاء العسكري الامريكي بالعراق وسوريا.

طال انتظار حكام من العرب  انفتاح شهية أمريكا على ايران بعدوان عسكري، بدت الاخيرة في موضع قوة وقدرة، لا يتلاءمان مع ما أمل الحاقدون عليها، بإرغامها للعودة الى وكر العمالة لأمريكا والصهيونية، الذي تخلصت من تبعاته المذلة، بثورتها الفريدة تاريخا ومسارا، وقيادتها التي تعتبر ظاهرة جديدة في العصر الحديث، بولاية الفقيه العادل.

انشطة الخبراء الايرانيين الصاروخية، وبرنامجها الفضائي، خصوصا في مجال الاقمار الصناعية، وارسالها الى مداراتها في الفضاء بوسائل ذاتية، اصبحت مصدر ازعاج لقوى الاستكبار العالمي، ومنهم أمريكا والكيان الصهيوني، وقد عبّرت فرنسا أخيرا عن انزعاجها من عملية الاطلاق الاخيرة، وقد رد عليها الجانب الايراني بانها لا تتعارض مع القانون الدولي، لذلك لا يحق لأي دولة ان تعترض عليها، وتبحث عن مبررات، واهية لتشويه اهداف ايران العلمية، لذلك أقول أن الاستكبار العالمي ملة واحدة، في النفاق واستغلال الشعوب، ومنعها من اكتساب حاجاتها الضرورية بكل الطرق الممكنة، وعلى هذه الشعوب ان تعي حقيقة من هو الصديق ومن هو العدوّ.

 

(*)هو قياس سرعة المتحرك مقارنة بالصوت يتم استخدام عدد Mach في الميكانيكا الموائع والديناميكا الهوائية وعلم الطيران.

يتم استخدام عدد Mach في ميكانيكا الموائع والديناميكا الهوائية ، وعلم الطيران.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!