كتب محمد الرصافي المقداد /السياسة الأمريكية وأكذب الحديث

بقلم: محمد الرصافي المقداد

من تابع السياسة الأمريكية على مدى العشريات الستّ الأخيرة، رآها قد اعتمدت أسلوبين من التعامل مع دول العالم، فالإدعاء الكاذب، كان ولا يزال سلاحها في فرض منطقها الإستكباري، وأسلوب الغنيمة لموارد الدول الضعيفة، والسيطرة عليها بالإرهاب بمختلف أشكاله، في زمن بدأت المجتمع الدّولي يحاول الخروج من سياسة استعمارية واستغلالية، حكمت العالم بقوة غاشمة واستعراض عضلات، لم تسبقه إليها دولة أو كيان آخر، باستثناء شركائهم الصهاينة، الذين لم يستحوا من الكذب على أنبيائهم وقتلهم، فكيف بهم ببقية خلق الله.

لقد طبّقت أمريكا أسلوب إرهاب الشعوب ودولها، ففضلا على كثرة عملائها المنتشرين في مواقع الحكم والقرار، والمتغلغلين جواسيس بين طبقات الشعوب ومؤسساتها، باشرت تأسيس جماعات إرهابية بالعنوان الإسلامي، فكان تنظيم القاعدة، حيث بدأت عن طريق عميلها أسامة بن لادن، وطاقمه من المخابرات المركزية، بتأليف عناصره وهيكلتها، على الحدود الباكستانية الأفغانية، وكان ذلك مخططها في ضرب القوات السوفييتية، وإخراجها مهزومة من كابول، لكن قبل ذلك، غرقت القوات الأمريكية في وحل فييتنام، التي حلّت محلّ القوات الفرنسية فيها، وكان الهدف كسر إرادة الشعب الفييتنامي، بالحيلولة دون خياره الثّوري، وإخماد حركته الوطنية، وإبقائه بلدا عميلا معاديا للصين الشعبية، وبذلك ظهرت أميركا عدوّة الشعوب الحرّة، وصانعة الدّول العميلة.

ما عرفناه من تاريخ أمريكا المعاصر أنه رغم اعتدادها بقوتها، فإنها غالبا ما تنهزم، فتلتجئ إلى أساليب الخداع والغدر، واستغلال جهود غيرها، كما فعلت ذلك في الحرب الكونية الثانية، فلولا العوامل البرد القاسية، التي تسببت في هلاك أعداد كبيرة من الجيوش الناّزية، وبسالة القوات السوفييتية، ودور الجنود الأفارقة المسكوت عليه، لما تحقق نصر لقوات الحلفاء في تلك الحرب، ولما كان لأمريكا كل هذه الحظوة والمكانة المزيفة بين دول العالم.

السياسة الأمريكية ثابتة في مسارها المناصر للكيان الصهيوني، بقطع النظر عن اسم الرئيس الفائز في الإنتخابات، بل من المستحيل أن يترشح سيناور من الحزبين الديمقراطي أو الجمهوري، دون أن يكون حاصلا على تزكية من اللوبي الصهيوني، المهيمن على الساحة السياسية بأمريكا، ولا يكون كذلك دون وضع اليد على اقتصادها.

سياسة دعم ومناصرة الكيان الصهيوني جعلها تتعذّر باجتياح العراق بذريعة امتلاكه لسلاح الدمار الشامل، وهي تعلم يقينا أن صدّام لا يملك غير الذي وهبه إياه الغرب المتحالف مع أمريكا والصهاينة، لضرب إيران، وعادوا بعد ذلك لينفوا وجود تلك الأسلحة على كامل أرض العراق، وهي لعمري كذبة سخيفة صدّقها الكثيرون، وبقي منهم من لا يزال يعتبرها منقبة صدّامية.

وحتى تبقى مشروعية قانونية لتدخل أمريكا في سوريا، لجأت الى تكرار ادّعاءاتها الكاذبة، باستعمال الجيش السوري للسلاح الكيماوي، وكان الهدف المعلن اسقاط النظام السوري لصالح الكيان الصهيوني، في إنهاء آخر جبهة لمقاومة الكيان الغاصب لفلسطين والقدس، بالتحريض عليه والعمل على تغيير نظامه بنظام يقبل تطوعا انهاء حالة العداء لجذاذ الآفاق وحثالات الإنسانية.

تزييف الحقائق في السياسة الامريكية، سوقته ادارتها اعلاميا كأسوأ ما يكون، فإيران التي تخلص شعبها من نظام دكتاتوري عميل لأمريكا، ماتزال تعاني من تعسّف عليها، متمثلا في تسليط مختلف أنواع العقوبات عليها، وتسيير حملات اعلامية مغرضة، لتشويه أهدافها النّبيلة في تحرير الشعوب من هيمنة قوى الاستكبار العالمي بزعامة أمريكا، وهذا ما أزعج ساسة أمريكا، ورأوا فيها بعقلية الاستعلاء اضرارا بمصالحهم، وإفشالا لمخططاتهم، فعملوا على افشال الاتفاق النووي 5+1 بالانسحاب منه في محاولة للتأثير على بقية الأطراف الموقّعة، للنسج على منوالها، وبالتالي اسقاط اتفاق دولي تحقق بعد سنوات طويلة من المفاوضات المضنية، بما احتواه من بنود مهمّة.

 

وطبيعي أن يتوقع من نظام استكباري، تأسس على ظلم أهل الأرض وسكانها الأصليين، متسلّحا بعنصرية مقيتة لم يسلم منها سوى الرجل الأبيض الأمريكي القادم من أوروبا، أما البقية فلا إعتداد بهم، وما ارتكبته أمريكا لحد اليوم، كفيل بإدراجها مع محميّتها (اسرائيل)، خلاصة ما وقع من إرهاب دولتين عنصريتين، خرجتا إلى العالم بتفاوت كبير في الزمن، بما يسيء لحقوق الشعوب، صانعتين لبؤر التوتّر وعدم الاستقرار في العالم بالكذب الإعلامي، والتهديد بالتفوق العسكري، ومحاولة فرض منطقهم الفاسد.

آخر ما تفتقت قريحة الإدارة الأمريكية، تحريك اعلامها المشحون بالأكاذيب للإدّعاء على إيران، في محاولة بائسة جديدة، لإنزال إيران دعائيا من علياء التزامها بقوانينها الاسلامية، التي تحرّم عليها أي شكل من اشكال العدوان والإجرام عسكريا فضلا عن كون التهمة مدنية وفي بلد صديق لإيران، فقد ذكر موقع (بوليتيكو) الإخباري الأميركي نقلا عن مسؤولَيْن أميركيَّين لم يكشف عن هويتيهما (كما جرت العادة) قولهما إنّ أجهزة الاستخبارات، تعتقد أنّ الحكومة الإيرانية تخطّط لاغتيال سفيرة الولايات المتّحدة في جنوب أفريقيا (لانا ماركس) القريبة من ترامب، قبل الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/نوفمبر 2020.(1)

ونفت طهران بشكل قاطع هذه الاتهامات، وبعدما وصف تقرير موقع (بوليتيكو) بأنه مغرض، دعا المتحدث باسم الخارجية الايرانية (سعيد خطيب زادة) المسؤولين الأميركيين إلى الكف عن تكرار الأساليب البالية لخلق جو معاد لإيران على الساحة الدولية. (2)

من جهتها أعربت وزيرة العلاقات الدولية والتعاون الجنوب إفريقية في مقابلة خاصة مع موقع SABC الاخباري، عن تفاجئها من مزاعم مجلة (بوليتيكو) ضد إيران، وقالت: إن جنوب أفريقيا ترى أن الدبلوماسيين في بلدنا آمنون، ولو كانت هنالك حاجة إلى إجراءات إضافية فسيتم اتخاذها.. وإن إصدار هذا البيان (ادعاء اميركا) غريب للغاية، وبالطبع فإن أصدقاءنا في إيران استغربوا من ذلك أيضا، بقدر ما استغربنا نحن.(3)

وبتواصل السياسة الأمريكية الفاشلة ضد إيران، بتكرار الإدعاءات السخيفة عليها، يتّضح الفارق بين السياستين الأمريكية، المريضة بالكراهية والحقد، وبين السياسة الإيرانية، المحكومة بالقيم الإسلامية والإنسانية الرّفيعة، وشتان  بين من يرجو إرضاء هواه وشيطنته، وبين من يرجو رحمة ربه ورضوانه، ليتواصل كل إناء بما فيه ينضح.

المراجع

1 – تقارير: إيران خططت لاغتيال سفيرة واشنطن في جنوب إفريقيا انتقاماً لمقتل سليماني

2 – تقارير: إيران خططت لاغتيال سفيرة واشنطن في جنوب إفريقيا انتقاماً لمقتل سليماني

3 – جنوب افريقيا تستغرب مزاعم واشنطن حول محاولة اغتيال السفيرة الامريكية في بريتوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!