دردشة يكتبها الأستاذ الطاهر بوسمة/ المحكمة الدستورية معطلة بإرادة مجهولة…

حضرت يوم السبت الماضي ندوة مفتوحة التأمت بمؤسسة التميمي أثثها الاستاذ كمال القفصي المختص في القانون الدستوري والعلوم السياسية وذلك للحديث عن المعوقات التي حالت دون بعث المحكمة الدستورية بالرغم من وجوب تركيزها في العام الأول من الانتخابات التشريعية لمجلس لنواب الشعب الذي انتهت مدته بدون إنجاز ذلك الواجب المفروض عليه دستوريًا.

يرى الاستاذ القفصي بان السبب كان يعود لإرادة المعنيين لأنهم بترتيب الأولوية في اختيار أعضائها بموجب القانون الأساسي المتعلق بها، وأعطوا الأولوية لمجلس نواب الشعب الذي اشترط على نفسه توفير ثلثي أعضائه لتزكية المترشحين لها خلافا لقانونها الأساسي الذي تمت المصادقة عليه بالأغلبية المطلقة، وبذلك أغلقوا الباب على أنفسهم بإرادة منهم لان تلك الأحزاب المتحكمة وقتها لم تكن تريدها خوفا منها.

ويقول المحاضر وبالرغم من ذلك فانه كان في الإمكان تجاوز تلك العقبة بتغيير فصل وحيد في قانونها الأساسي وذلك بإعطاء رئيس الجمهورية والمجلس الأعلى للقضاء الأسبقية في تعيين ما يعود لهما وبذلك تتم الغاية بالثلثين أي (8 من 12) المكونة لها كما ينص عليه الدستور ونتجاوز التجميد مبدئيًا.

ويمكن إنجاز ذلك بيسر كبير لان الأغلبية المطلقة كانت متاحة وحتى في هذا المجلس المنتخب أخيرا بالرغم من الفسيفساء التي هو عليها بسبب القانون الانتخابي الذي فرض علينا من الهيئة العليا لحماية الثورة والانتقال الديموقراطي، التي أفرطت في اختياراتها الموجهة أساسا من طرف قوى خفية.

وللتذكير كنت حاضرا في الأيام الأولى من الثورة وقبل انتخابات 23 أكتوبر 2011 للجمعية التأسيسية بهذه المؤسسة -مؤسسة التميمي-وجرى نقاش يومها بين رئيس هيئة حماية الثورة الأستاذ عياض بن عاشور مهندس المشروع والمدافع عليه بشدة والأستاذ القفصي محدثنا اليوم لما حاول نقد مشروع المرسوم الانتخابي المقترح ناعيا عدم صحة وصفه بالمباشر في حين لم يكن كذلك.

قال يومها بصراحة بانه بالصفة المقترحة لا يمكن اعتبار الانتخاب مباشرًا لأنه سيعتمد القائمات المغلقة التي لا يمكن للناخب ان يتدخل فيها بالمزج والتشطيب مكتفيا بما قدمه له الحزب أو رئيس القائمة المستقلة الذي تولى اختيار أفرادها ليأخذها الناخب كاملة في حين انه لا يعرف من المدرجين فيها الا رئيسها أو عضو منها مسلمًا في حقه الذي من المفروض ان يكون شخصيا.

لقد تأكدت ملاحظات الأستاذ القفصي وبتنا نقاسي من ذلك المرسوم الذي تم تأكيده كقانون للانتخابات وتسلط على انتخاباتنا التأسيسية والتشريعية الأولى والثانية وكذلك البلدية التي أجريت به أيضا وأنتجت نتائج كارثية.

لقد باتت البلديات التي تم انتخابها به كارثة علينا لأنها تشكلت من أطراف سياسية متنافرة عطلت العمل البلدي وانحل تلقائيا عدد منها إما بسحب الثقة أو بالاستقالة الجماعية ولم يمر عليها الا أكثر من عام بدون ان تقدر على تحقيق حتى الأكيد مما كان منتظرا منها.

تحدث الاستاذ عن الدستور الذي كان البعض يعتبره انجازا استثنائيا، ويراه مجرد عقد اجتماعي وكارثة علينا لأنه أدرجت فيه جزئيات عطلت القواعد الأساسية التي تعتمد عادة في الدساتير لتسهيل المرور وليس لسد الطريق كما صار علينا.

وبالمناسبة عبر عن أمله في رئيس الجمهورية قيس سعيد المختص مثله في القانون الدستوري والذي يرى تغيير التمثيل بالاعتماد على المحليات والجهات والتخلي عن الأحزاب التي تتأثر كلها بالمال المشبوه وبمراكز التأثير الداخلية والخارجية.

لقد اظهر المحاضر معارضة شرسة للاختيارات المفروضة علينا من بعض المتأثرين بالنظام الفرنسي الذي بات متأخرا عن الدول الديموقراطية الأخرى بحق كالولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا التي لم تؤسس فيها محاكم دستورية خاصة، بل تركت ذلك للقضاء العادي ليمكن لمن يريد الطعن في عدم قانونية أي إجراء يراه مضرًا بمصالح المجموعة.

وقال ان سبب إنشاء المحاكم الدستورية كان نتيجة للانحراف بالديموقراطية وبروز الفاشية والنازية التي تسببت في حرب كونية، لكنه في مصر كانت المحكمة الدستورية وسيلة لشرعنه الانقلاب العسكري على رئيس وقع انتخابه بشفافية ومراقبة دولية،

بذلك خرجت من تلك الندوة بفكرة ازددت بها يقينًا وكما قاله الاستاذ أيضا باننا بتنا نحكم من طرف خيال كان سماه المرحوم الباجي قائد السبسي في لحظة صفاء بالمسؤول الكبير الذي تسلط علينا نحن العرب والمسلمين وبتنا بسببه نخشى ذكر ديننا الإسلامي في دستورنا بصراحة بخلاف دولة إسرائيل التي تجرأت اخيرا وسمت نفسها بالدولة اليهودية الصهيونية.

لقد بتنا نحتفل باليوم العالمي لحقوق الإنسان الكونية بدون إدراك وقد كان بعثه سببا في تعطيل انتفاضة العرب في فلسطين سنة 1949 لما عجز اليهود عليها.

اما فيما يخص مقاومة الفساد ومحاسبة المفسدين فانه يراها بالشكل المعمول به مضيعة للوقت والجهد وكان علينا احداث خطة مدع عام للجمهورية منتخبا ليتولى التنسيق ويعهد للقضاء بتلك المهمة وابعادها عن التجاذبات السياسية.

بذلك أكون قد نقلت لكم ما تيسر من ذلك الحوار الذي وجدته مثمرًا مفيدًا ويمكن البناء عليه لو أردنا إصلاح أوضاعنا بجد ومسؤولية.

كل ذلك جرى في تلك المؤسسة العتيدة، مؤسسة التميمي، التي حافظت على الذاكرة الوطنية والتاريخ المعاصر وفتحت أبوابها للحوارات الجادة بكل حرية مساهمة منها في تقويم المسارات المؤثرة في السياسة الحالية وحتى المستقبلية منها لو أردتم.

                                            تونس في 18 نوفمبر 2019

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!