كلمة رئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي أمام مجلس نواب الشعب كاملة

فيما يلي الكلمة الكاملة لرئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي امام الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب والتي عرض فيها برنامج حكومته :

بسم الله الرحمان الرحيم

الشعب التونسي (الأبيّ)

–        السيد رئيس مجلس نواب الشعب،

–        السيدة النائب الأول لرئيس المجلس،

–        السيد النائب الثاني لرئيس المجلس،

–        السيدات والسادة نواب الشعبالموقّرون،

–        الحضور الإعلامي الكريم،

يشرّفنيأن أكون اليوم في رحاب هذا المجلس الموقّر لأعرض عليكم برنامج عمل الحكومة المقترحة وأقدّم لكم أعضاءها، آملا أن تنال ثقتكم.

واسمحوا ليفي مستهل هذه الجلسة أن أتوجّه بأسمى معاني الإكبار والتقدير، وخالص عبارات الشكر والامتنان لسيادة رئيس الجمهورية الذي شرّفني بتكليفي بتشكيل هذه الحكومة، لأتحمّل هذه المسؤولية الوطنية في هذا الظّرف الدّقيق.

أقف أمامكم اليوم في لحظة مفصلية، ينزف فيها وطننا من فرطِإنهاكٍ مرّبه طيلة سنوات كان شعبُنا يحمل خلالهاأملا في رؤية واقع جديد منسجم مع مانادت به ثورة تونس، ثورة الشباب والنخب وعموم المواطنين.

ثورة نادت بوطن الحريات، وطن الكرامة والعدالة،وطن ديمقراطية تساوي بين مواطنيها في الحق في فرص الشغل وفي المبادرة وفي تنمية دون تمييز.

ثورة انتظر منها شعبنا أن تتساوى فرص أبنائه في التعليم، وأن يحظى بما يستحقّه من رعاية صحية وخدمات ترقى إلى تطلّعاته المشروعة. في ظلّ دولة تحترم مواطنيها، ولا يشعر أيّ من أبنائها في الدّاخل وفي الخارج بحيف أو إقصاء، ولا تحتكم إلاّ للقانون.

–        السيد رئيس مجلس نواب الشّعب،

–        السيدات والسادة النواب الموقّرون،

لقد ظلّ حلم تونس جديدة، تونس يعيش فيها المواطنآمنا مطمئنا وآملا في أن يكون يومُه أفضل من سابقه وغدُه أفضل من يومه، مجرّد حلم،بل وقد انقلب وهمًا وخيبة أمل ويأس لدى الكثير من أبنائنا، ودفع ببعضهم إلى المجازفة بركوب قوارب الموت هربا من ظروف معيشية صعبة ومطاردة لأمل لا يرونهممكنا في وطنهم.

إنّ التونسي الذي كان يحلم ويأمل من ثورته الكثير وجد نفسه بعد مرور عشر سنوات مازال يطالب بالحدّ الأدنى من متطلبات العيش الكريم من طريق وماء صالح للشراب ومعلّم في مدرسة وطبيب في مستشفى…

إنّ هذا التشخيصلواقعنا اليوملا يرمي إلى تحميلالمسؤولية لأيّ طرف بقدر ما هو بحث في أسبابه، وسعي إلى معالجتها.

اليوم، النتيجة واضحة وجليّة،وتعكسها أرقام ومؤشّرات لا تبعث حقيقة على الاطمئنان.

– فالدين العمومي يتفاقم، إذ أصبحت بلادنا تقترضفي حدود 15 مليار دينار سنويا، وهي مطالبة بتسديد قرابة 7.5 مليار دينار سنة 2020.

ومع موفّى هذه السنة، ستكون مجمل قيمة التداين في حدود 80 مليار دينار، ليحقّ لنا التّساؤل هنا عمّا سنورّثه لأبناءنا وللأجيال القادمة.

ومن غير المعقول أيضا، أن خدمة الدين العمومي المتوقعة لسنة 2021، ستكون في حدود 14 مليار دينار، أي ضعف نفقات التنمية، وهو ما يعني أن الدولة تفقد إمكانية لعب دورها التنموي.

– المؤشّر الثاني يتعلّق بتراجع الإقبال على المواد الاستهلاكية بنسبة 21,5% والمواد الغذائية بنسبة 7,5%،مع تراجع كبيرللادخار، مما يعني أن المواطن التونسي وصل إلى درجة مراجعة سلوكه الاستهلاكي حتى في المواد التي تعتبر ضرورية، مع استنزافه لمدخراته ليستطيع مجابهة متطلبات الحياة، وهو أمر خطير، نظرا لانعكاساته الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.

– ويتّصل المؤشر الثالث بنسبة الاستثمار،والتي كانت قبل سنة 2010 في حدود 24%، وكانت تعتبر نسبة ضعيفة، لا يمكن لها استيعاب نسب البطالة المرتفعة. أمّا الآن في سنة 2020، فإنّ نسبة الاستثمار لا تتجاوز الـ 13%، وهي نسبة لا يمكن من خلالها تحقيق التنمية والتشغيل، ويتعيّن العمل على الترفيع فيها. ورغم محاولات الدولة مراجعة منظومة الاستثمار طيلة السنوات الماضية، إلا أنها لم تحقق النتائج المرجوة، لتبقى مسألة استرجاع الثقة مع المستثمرين هي المفتاح لكلّ ذلك.

– أمّا المؤشر الرابع فيتعلّق بارتفاع نسبة البطالة في تونس والتي تجاوزت الـ 15%، ليبقى الرقم المفزع هو بطالة أصحاب الشهادات العليا، والتي تمثل ضعف المعدل العام. وأنا كأحد أبناء منظومة التعليم العمومي في تونس، وأحد المستفيدين مستفيد من المصعد الاجتماعي، أجد اليوم هذا المصعد معطّلا، حيث لم يعد الحصول على الشهادة الجامعية يوفر فرصا أكبر للتشغيل ولا يضمن بالضرورة تحسين الوضع الاجتماعي.

ومن المفارقات أيضا، أن تونس التي كانت سباقة في تشريك المرأة في الحياة العامة، تبلغ فيها اليوم نسبة بطالة الإناث حدود 22%.

لقد سجّلت السنوات الماضية نسب نموّ ضعيفة نتيجة ما فرضته المرحلة من ضغط على التوازنات المالية، إلى جانب تداعيات تراجع المجهود الاستثماري سواء على مستوى طاقات الإنتاج أو على مستوى تنافسية المؤسسة.

وأدّت هذه الوضعية إلى انخفاض ملحوظ للقدرة على التصدّي للأزمات بسبب السياسات العمومية المعتمدة، والتأخير في إنجاز الإصلاحات الضرورية.

ولا تزال التوازنات المالية هشّة لا سيما في علاقة بهيكلة ميزانية الدولة خاصة من خلال ارتفاع حجم النفقات وتزايد الضغط الجبائي وتفاقم المديونية العمومية وصعوبة التقليص بصفة جلية في نسب التضخّم. ينضاف إلى هذا حجم المخاطر المرتبطة بـالمستوى المرتفع للعجز التجاري وصعوبة التقليص من الواردات وتفاقمالحاجيات للتمويل الخارجي مقابل اشتداد شروط التداين.

وأثبتت التجارب السابقة ضعف القدرة على الإيفاء بالتعهدات بسبب عدم توفّر الإمكانيات واختلال التوازنات المالية. كما حال عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي خلال المرحلة المنقضية دون تحقيق الأهداف المنشودة وأشار إلى وجود صعوبة حقيقية في قيادة الشأن التنموي.

وقد تعدّدت المبادرات والإجراءات الرامية إلى معالجة هذه الوضعية لكن دون التوصل بعدُ الى النجاعة المطلوبة. وتراجعت الثقة لدى الفاعلين الاقتصاديين بسبب ضعف التواصل ونقص الشفافية والتراخي في تطبيق القانون. كما لم تتوفّر الموارد البشرية والمالية والتكنولوجية والطبيعية بالقدر الكافي لدفع مسار النموّ.

وكان لتراجع إنتاج المحروقات والفسفاط وعدم التوفّق في فضّ إشكاليات تعطّل الإنتاج الأثر المباشر والعميق على التوازنات المالية وعلى تراجع موارد الدولة وتدهور الميزان التجاري، وهو ما انعكس على قدرة الدّولة على الإيفاء بالتزاماتها التنموية والإجتماعية.

وقد ازدادت حدّة أزمة النشاط الاقتصادي وتعطّل محرّكات النموّ منذ بداية السنة الحالية مع تفشّي جائحة “كورونا” وما أفرزته من ضغوطات إضافية على الاقتصاد الوطني، ستظلّ تؤثّر على مسار الإصلاح للفترة القادمة.

وفي قطاعات التربية والتعليم العالي والتكوين المهني، تراجع أداء الهياكل والمؤسسات لاسيّما من حيث تفاقم ظاهرة الانقطاع المبكّر وتراجع مؤشرات التربية وجودة التعليم. ولم يتم استكمال مسار الإصلاح المعمّق لمنظومة التربية والتعليم العالي حتى تستجيب للمتغيرات والتطورات لاسيّما التكنولوجية منها. كما لم تواكب منظومة التكوين المهني تطوّرات سوق الشغل ومتطلبات المهن الجديدة.

ولا يزال القطاع الصحي يسجّل تفاوتًا جهويًّا ملحوظًا في عرض الخدمات نتيجة لاختلال الخارطة الصحية ولارتفاع مديونية المنظومة وافتقادها للقدرة على توفير الإطار الطبي وشبه الطبي بالقدر الملاءم.

أمّا في المجال الاجتماعي، فلا تزال نجاعة التدخلات الاجتماعية محدودة بسبب تأخر تنفيذ عناصر الإصلاح ولا سيما على صعيد توجيه التحويلات لمستحقيها. هذا إلى جانب عدم وضوح ملامح إصلاح المنظومة الاجتماعية وتشتت جهود الإحاطة بالفئات الضعيفة رغم أهمية المجهودات المبذولة، علاوة على التأخر الهام المسجّل في الإصلاح الجذري لمنظومة التقاعد.

–        السيد رئيس مجلس نواب الشعب،

–        حضرات السيدات والسادة النواب،

لقد اخترت الاستفاضة في وصف الوضعية الاقتصادية الصعبة ومؤشراتها الخطيرة، لا لتحميل المسؤولية لأيّ طرف، بل لاستخلاص النتائج والعبر بكل شجاعة، وللتنبيه إلى ضرورة المرور إلى العمل الجدّي لإنقاذ بلادنا، الآن وحالاّ ودون تأخير.

إنّ تشكيل هذه الحكومة يأتي في ظرف يتّسم بعدم الاستقرار السياسي. إذ بعد مرور عشر أشهر عن تنظيم الانتخابات التشريعية تتقدم ثالث حكومة لنيل ثقة مجلسكم الموقر، في وقت بلغت فيه قدرة الشعب التونسي على الصّبر، حدودها.

في هذا الظّرف، ينالني شرف التكليف من قبل سيادة رئيس الجمهورية بتشكيل حكومة، تكون قادرة على العمل في تناغم وتضامن تام بين أعضائها، وتنكبّ منذ يومها الأوّل وفي حال حظيت بثقتكم على المنجز الاقتصادي والإجتماعي وعلى العمل على توفير استحقاقات التونسيين

–        السيد رئيس مجلس نواب الشعب،

–        السيدات والسادة النواب،

يتّفق الجميع اليوم على تشخيص الوضع الراهن للبلاد وعلى طبيعة الإشكاليات والصعوبات والتحديات المطروحة التي يتكرّر إثارتها في كل محطة سياسيّة دون أن يتم فعلا معالجتها بالشكل المطلوب،

ومن منطلق تجربتي في مختلف المسؤوليات العليا للدولة في قطاعات مختلفة والتعاطي المباشر مع الملفات الكبرى والمتشعّبة، أمكن لي الوقوف على أنّ التحرّكات الاجتماعية والاحتجاجات بمختلف أنواعها إضافة إلى نقص الموارد، لا تفسّر لوحدها عدم التوفّق في حلّ الإشكاليات والعوائق المذكورة، بل إنّ السبب الرئيسي لهذه الوضعية يكمن في ضعف تركيز الآليات الملائمة والكفيلة بتنزيل الخيارات السياسية والبرامج الكبرى وتجسيمها على أرض الواقع بما يسهم فعليّا في تغيير الواقع المعيشي للمواطن التونسي.

وعلى هذا الأساس حرصت على أن يتكوّن فريقي الحكومي من كفاءات قادرة على الإنجاز الفعلي والسريع وعلى إيجاد الحلول العملية لمختلف الإشكاليات.

وأؤكّد في هذا الصدد أنّ هذه الحكومة ستكون بالفعل حكومة عمل وإنجاز تعتمد على مقاربة خصوصية تُعطي الأولوية للنجاعة.

وهي مقاربة تقوم على التحلّي بالجرأة في التغيير والبحث عن حلول غير تقليدية ومبتكرة بالاعتماد على الإمكانيات الذاتية المتاحة. ويتمثل رهاننا في الاستغلال الأمثل للموارد وتكريس مزيد من النجاعة على مستوى التدخلات والإنفاق العمومي للحدّ من النزيف.

كما تقوم مقاربة الحكومة المقترحة على إيجاد صيغة توافقية لتقاسم الأعباء في انتظار تحسّن الأوضاع، فضلا عن تكريس السيادة الوطنية وتحقيق الأمن الطاقي والمائي والغذائي.

وإنّ إيقاف النزيف المسجّل على مستوى المالية العموميةوالتوازنات الكبرى سيكون الأولوية المطلقة لعملنا على المدى القصير، فيما سيكون تنفيذ البرامج الرامية إلى التحسين التدريجي في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتجسيم الإصلاحات الكبرى من أولوياتنا على المدى المتوسط والبعيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!