كتب علي عمري / قضية الإجازة في التربية والتعليم : حياد عن ديناميكية الإصلاح التربوي … وحداد عما تبقى من سلطة القانون

بقلم علي عمري **

إن ما ساهم في دفع الدول والجمهوريات الديمقراطية نحو مزيد تطويق العتمة المتراكمة هيكليا في كل ركن من اركان مجتمعاتها هو نجاحها في استثمار واقعها التربوي وجعله أكثر مرونة مع متطلبات النمط المجتمعاتي لتلك الدول والجمهوريات خاصة في ظل دوامة العولمة والطابع “المتأمرك” للإحلال الفكري والاقتصادي لمختلف الشعوب المضطهدة والذي حط رحاله في الجمهورية التونسية، كغيرها من دول الإرتهان، بكل تراجيديته وقسوته .. ففي حديثنا عن السياسات التربوية المتبعة في تونس لا يمكننا البتة الفصل بين ثلاثي حركي بإمتياز ؛ الطاقة البشرية، الإعتمادات المالية والتخطيط والأهداف التعليمية .

وفي واقع الأمر هذا الثلاثي الحركي لم يتخط مرحلة السراب في جمهورية تونس خاصة حين نفتح ملفات عديدة والتي تعتبر شائكة بالنسبة للحكومات اللاوطنية وعلى رأسها الملف الحارق على الدوام والمتمثل في “قضية الإجازة التطبيقية في التربية والتعليم” …

إن خط التمايز الفعلي الذي خط ملامحه مجموعة من إطارات الدولة على غرار متفقدي قطاع التعليم الابتدائي، الأطراف الفاعلة والباحثة في الحقل التربوي، لجان التربية في مجلس نواب الشعب وكذلك الهيكل النقابي عن المنظمة الشغيلة الحاضن لإشكاليات هذا القطاع برمته، تمخض بعد تجربته الأولى من خلال شراكة بين وزارة التعليم العالي ووزارة التربية ممثلة في لجنة عليا مشتركة، تمخض عن فصيل نوعي يضم 2400 أستاذ تعليم ابتدائي قادر على تحمل عبء المدرسة الشعبية وبناء جيل الولاء للوطن تحت راية واحدة مقدسة، فصيل نوعي قد يساهم رفقة زملاء القطاع في الحد من مظاهر الإنقطاع المبكر عن الدراسة والذي يتراوح معدله بين 80 و120 ألف تلميذ سنويا منقطع عن الدراسة سوى مبكرا أو في مستويات لاحقة، وفي الحد أيضا من مظاهر العنف والتعنيف ورسم هوية التونسي السوية المستقيمة والتواقة دوما إلى الحرية والغد الأجمل .. ولكن في المقابل تقف حكومات العمالة للغرب الإمبريالي سدا منيعا أمام إزدهار هذا المشروع رغم رهان دولة ما بعد الإستقلال على التعليم إلا أنه كان رهانا جزئيا سرعان ما لاقى التلاشي والضمور خاصة في فترة الدكتاتورية النوفمبرية وصار ينسج على منوال هجين شعاره “تجفيف المنابع وإغتيال الفكرة والمفكر” ليتواصل للحظتنا هذه فيجني بالتالي الأساتذة حاملي الإجازة المذكورة مر هذا الشعار وقسوته وتنطلق معاناتهم في مدارس الجمهورية التونسية دون رصيد إجتماعي صحي او مستحقات مالية خاصة رغم ما سنه القانون ممثلا في الفصل 22 من النظام الأساسي لقطاع التعليم الذي تم تنزيله في الرائد الرسمي التونسي قبيل نيلهم للإجازة في التربية والتعليم، ثمرة هذا التكوين .. وقد أدى هذا الإهمال الحكومي لهذه الفئة إلى فقدان حماس البدايات وحس المنطلق الأساسي لهذه المهنة ودفع بهم نحو التجارب النضالية المتنوعة والمتواصلة والتي كللت بإضراب عن الطعام لمدة زمنية ممتدة دون أدنى إلتفاتة من سلط الإشراف التي بدورها تعمدت ذلك إرتهانا لمقررات صندوق النقد الدولي الفارض لعدم الإنتداب حتى في القطاعات الحيوية .. هنا تتجلى مظاهر الإمبريالية بأشكال أشد حلكة واكثر عنفا تجاه أبناء هذا الشعب ويظل هذا الكابوس قائما طيلة فترة الوباء المستجد كورونا دون أن تنبس سلط الإشراف الحكومية ببنت شفة .. ونتساءل هنا هل تشعر هذه الدولة بالخجل والحياء حين تتمعن في الإحصائيات المتعلقة بالرتب والأجور الخاصة بالمعلمين في الدول القريبة مثل المغرب ولبنان والبعيدة مثل السويد واليابان رغم ما يقدمه المعلم التونسي من تضحيات وإستماتة في صناعة الأجيال ورغم ما يعانيه التلميذ التونسي بدوره من موت جارف وآلام متواصلة في غياب البنى التحتية الملائمة !؟ .. هذه المظاهر وغيرها ستدفع هذه الفئة حتما إلى مزيد التوغل في مؤسسات الحكم ونصب خيام العصيان من أجل مزيد بلورة راديكالية معارضتهم لما تقدمه سلط الإشراف من إغراءات لا تبلغ آمالهم وتطلعاتهم خاصة وأن الأفق يحمل فصلا قانونيا نقيا لا غبار عليه وهو الفصل 22 …

الحقيقة الصلبة التي لن تتغير هو أن هذا الفصل حتى وإن كان يأبى التطبيق من الجانب الحكومي المظلم فإنه حتما يأبى النسيان والتجاهل من الجانب الجماهيري المشرق ..!

 

*كاتب عام الأكاديمية التونسية لعلوم ومهن التربية

*ناشط سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!